هنا تنبض الأحاسيس بمعانيها.. هنا تعزف الروح ألحانها ..هنا حيث أتمنى أن تجتمع الأرواح معا بكل حب !!

السبت، 16 أبريل 2011

من دفتر مذكراتي " الـــرحلة إلى كهـــــف الهــــوتة "

ترن ترن ترن ...... "نغمة " المنبه التي تتسلل إلى دماغي المنهك في حلم لم أستطع فهمه ..كل ما أتذكره طرقات قوية على باب الغرفة "يلااا سكون نهضي يلااااا بنروح...." لم أتردد حينها بأن احمل نفسي منطلقة كالصاروخ نحو الباب افتحه وبسذاجة تااامة أتساءل : شو هنااااك شوصاير ؟
وبعدهااا اعود لألقي نفسي مجددا على الفراش مدعية تكملة "الحلم " ....ولم يكن تلك الحين ببالي سوى اسم "ميثى " بطلة روايتي التي اقرأهااا هذه الأيام ....فليلة أمس كنا معاااا ..."ميثى" ..أحببت هذه الشخصية العفوية والقوية في الآن نفسه ...ولكأني ألمح نفسي فيها !!
لقد فهمت أختي شعوري البائس ...وامنيتي المستحيلة هذا الصباح في تكملة النوم ...فاليوم لنااا موعد في الخروج باكرا .. لرحلة سياحية "كهفيه " وهي تقول لي بلسان الشفقة : شو ماشبعتي نوم؟؟؟ "
لازلت بين تخيلات صباحية سريعة وبين نوم يصارع عيوني الناعسة ...بصوت "يحيى" ابن اختي البكر الذي لم يتجاوز السادسة بعد..صحوت بتكاسل ....هذا الطفل الحماسي الإندفاعي والاجتماعي ..وكثير الكلام والخيال ...لو لا ذكائه لكنت انتحرت قبل أن استمع لتلك القصص التي يصبها علي كل يوم ....والأخ الأوسط "ابراهيم " الذي لا يقل ذكاءا منه بتوريطي بالكم الهائل من الآسألة والتي لا تخلو من ليش وكيف ولمن ومن من ومالسبب ؟ يااااه أحس ولكأني في حصة العلوم أو الفيزياء !وهناك الصغير "محمد "..الطفل الهادئ الغضوب نوعا ما !!!
لم أكن وقتها باحساسي الهامد سوى شعلة من النشاط ...فلقد منحتني "ميثى " قوة غريبة ...حقا ..فماذا سأجني من شعوري الحزين سوى ازعاج يقرف يومي الجميل وينغصه ....فلابد أن استغل هذا اليوم في ابتعاث الحياة لروحي من جديد .... وها انا "ارسم الكحل في عيني " فألمح لمعانااا في المرآة واقرا عيوني وهي تتساءل من جديد : أين هو عني ؟!
ولكني لم ألبث حتى صرخت في وجهي .....لن تنتقمي بهدم يوم جميل كهذا ؟فانت أقوى من أن تحطمك أفكارعابرة كغيرها كل يوم ....!
فلتدوسي على الجرح يا سكون ....فكلما ضغطي على الجرح المدمي يقل ويقل النزف إلى أن يتوقف ....أليس هذا ما تعلمته يا "دكتورة" ؟!
جمعت شتاتي وقتها.....ولملمت حماسي الذي اكتنفه الزمان عني ...ونفضت الغبار عن وجه السعادة الروحانية التي انهكتها كربة الآيام ...وابتسمت ابتسامة الصباح بكل حيوية ....وهااا أنااا أرش ذرات العطر واحمل حقيبتي واخرج للعالم الذي هجرته منذ سنين ...
ركبت السيارة .......كانوا بانتظاري "اجرجر فستان الحماس "
"السلام عليكم "
وانطلقنا ...انطلاقة حب ...سعادة ...راحة بال ... وجو مفعم بالهدوء ...كالعادة !!
"برهوم" لا زال يحك عيناه ويطرد عنها النعاس.....يترنح في السيارة مقاوما شعور النوم ...ويحيى لم نلبث أن غادرنا المدينة حتى بدأ بشقاوته المعتادة وبدأ بسرد القصص والحكايا .........لتتوالى صرخااات "امه": يحيى كفااااك ثرثرة منذ الصبااااح !!
غالبا ما يمثل برهوم دور الطيب المظلوم احيااانا كثيرة....ولكنه هو من يبدأ بالمشكلات غالبا .. لينحط الضرب على الأكبر "يحيى" كما جرت العادة في مجتمعنا حيث يعاقب الكبار بسبب أخطاء الصغار...هذه العادة .. غالبا ما تخلف عقد ومشكلات قد لا ندركها إلا مؤخرا ...ولكني أؤمن بأن يعاقب الإثنين معا في هذه الحالة ....لا علينا .. كنت قد جمعت كل التعصيبات في "كيس" كبيرة ورميتها في السلة قبل خروجي ...فلا احب ان ارمي بغضبي على هؤلاء الأطفال ...فهم "طيور الجنة"

وانااا أحبهم كثيرا....بيني وبينهم رحلااااااااااااااات حب طويلة الأمد ....ولازالت مستمرة بالعطاء ....فبالرغم من كل ما بداخلي من هموم ...وعلى الرغم من انشغالي بالدراسة والتي طالت وتطول فيني ..إلا أني احب ان أمنح نفسي وقتا معهم ....تماما كما يحبون هم أن يبقو معي ...!
فمنهم أستشف دروسا عظيمة ...فعالم الأطفال مدرسة حياتية ورؤيا مستقبلية للعالم من حولنا..
واليوم بالذات لم أسلم من شقاوتهم ....وأسألتهم ...وبحبي للأجابة تزداد ...بحبي لبرهوم وهو يكثر من مناادتي ..."خالوه" خالوه " ويتلوه سؤال مبهم ....فلا أدري كيف تخطر هذه الأسالة بباله....أما يحيى فيشاركنا الحديث بخيالاته التي غالبا ما يزودها على اجاباتي المختصرة....احساس رائع ...فلابد أن يمر الوقت .....فالمسافة طويلة ...وحتى لا نحس بالملل ...بدأنااا نلعب معااا ...وننشد معااا بصوتي الخافت أناشيد طيور الجنة التي يحفظها الكبار قبل الصغار ..وقريبا تم اكتشاف قناة جديدة من قبل "يحيى" باسم "كراميش" ..أمااا عني فلا أحبذ مثل هذه القنوات كثيرا ......مع ذاك لازلنا ننشد ...ويتساءل برهوم"خالوه ليش صوتك خفيف " ..مع علمه للإجابة ....فوجود أبيه يستدعي أن لا انشد بصوت عالي ....!
لازلنااا في جو يسوده الهدوء لولا شقاوة يحيون وبرهوم ...فمنحتهم وقتهم ...ومنحت نفسي وقتا اتأمل فيه شموخ الجبال من نافذة السيارة ...آه كم أحب الجبال ...فلا احد يعلم رحلات حبي معهااا ... !
فالجبل صديق حميم يحتضنك عندما يتخلى عنك الآخرين ..يعلمك الشموخ والرفعة والعزة ...يمنحك شعورا بالقوة عندما يهديك الآخرين شعورا بالخذلان ...يكفيني إني كلما أراه أحس بالراحة المطلقة.
بعدها بدأت مشوار من التفكير العميق والذي أرسمه على خطوط الجبال المتعرجة التي أراها أمامي ...أفكر حتى في المستحيل.....فهل صدق "جان أنوي" حين قال بأن : "أعظم الأفكار هي التي تأتينا ونحن نمشي " فلقد ذهب زمن المشي بالأقدام ونحن الان في زمن المشي بالسيارات ...فغالبا ما تراودني أفكار" جهنمية" وأنااا في الطريق ...فالمسافات الطويلة تعطيني وقتاااا رائعا للتأمل والتفكر بعمق وبمصداقية ...وربما بمنطق أكثر أيضا ....ولكأني لا أملك وقتا آخر للتفكير سوى هذا الوقت...لا علينا فكل ما في الأمر "تداعيات طريق لا أكثر"
ثم تزورني وقتها طيوفه القاسية ...فأشرع باختيار حوار أبدأ فيه معه ...هل اعاتبه ...ام ابدي عدم الاهتمام ..أم اكون أكثر جفافا وسطوحا في الحوار ...أم أحاوره بعمق ...وأخيرا اسأل روحي : هل احاوره بحب ؟!
ولا ألبث حتى اكون في وسط حوار ...لا أعلم كيف غصت في بحره ....اتساءل لما لا أملك هذه القوة في الحوار حينما امنح الفرصة حقيقة...لماذا يطبق لساني بالصمت كلما لامست اذني أمواج صوته الحنون....!
فجأة يقطع حبل فكري برهوم متسائلا " خالوه متى نوصل ...والله تعبناااا ؟!
يتليه يحيى بضحكات وقهقات عفوية ...خالوه برهوووم مايعرف كهف الهوته ؟!!
ينغاض برهوم من استفزازات يحيون المتتالية ليهوي على رأس يحيى بضربة قوية تفقده صوابه وهنا بدأت معركة من الضرب بينهم "لأهم بالمحاجزة.. وهنااا ألفت انتباههم بحركة درامية : هاااا لقد وصلنااا الكهف انظروا....قصدي قربنا من الكهف شوفوا يمكن يكون بهالجبل ؟!!
لألمح نظراتهم البريئة تتقلب من هنا وهنااااك بحثا عن الكهف ....!!
لقد ضاع الحوار الذي بدأت بتخطيطه ...ولكني لم ألبث حتى تذكرت بأني قد تبنيت اليوم فكرة عدم التفكير في هذه المسألة بتاتا ....فالقوة تنبع مني ...عندما امنع نفسي من التفكير الذي لا يسمن ولا يغني من جوع !
تمتمات وضحكااااات ...ووصلنا الكهف السحري ...ليت الجميع كان معنااا ...أمي وأبي واخوتي !!
امنية عابرة ....لا أملك سوى شوقا يبعثر اهتراءاتي المنهكة ...
وفي لحظة تبعثرنا في قاعة المتحف الذي كان في الاستقبال وذلك قبل أن نتوجه إلى رحلتنا للكهف ...أزعجني الجو الذي يخيم على المكان ..لابد أننا سننام في حلكة هذا الظلام ...لكن برهوم ويحيون لا يكتفون بالصمت .....فصراخهم وقهقهتم وصوتهم قد ملآ القاعة ....والذي بعث لها روح الحياة من جديد...

بقليل من اللقطات التصويرية للتذكار من هنااا وهناااك ...خرجنا ..ثم بعدهااا توجهنا بصحبة المرشد السياحي لنمشي مسافة8 كم تحت أشعة الشمس الحارقة حتى وصلنا للكهف ...وباول دخولنا إليه لم نشعر بتلك المسافة وتلك الحرارة فالمكان هنااا بارد وله رائحة مميزة ...يااه كم احب هذه الرائحة تذكرني بالمطر والتراب المبلل.... فلا أحد يعلم رحلة الحب بيني وبين المطر والتراب المبلل ....ذاك المطر الذي يبكي لبكاءك ويبتهج لسعادتك ...يمنحك احساس بالأمل عندما يخنقك اليأس ...ويهديك البركات والخيرات ...ويسقي روحك المتعبة ...ويغسلها وينقيها .. آه ما أروع احساس المطر .
التصوير هناك بالداخل ممنوع ...ولكن لا زالت صور الكهف بمخيلتي تجوب كشريط يبعث لي شعورا مختلفا بالمرة ....ولكأني اعيش المكان في كل جزء من أجزاءه ...كنت استمع لكلمات المرشد السياحي فأجوب بخيالي عالم آخر وسط تلك الكتلات والصخور المنحوتة في ذاك العمق بصورة رباااانية رائعة جدا .....وتلك الهوابط والصواعد والبحيرات الصخرية والتي نحتتها المياه ...يااااا سبحان الله ....احس بأني كائن صغييير لا يسوى شيئا أماااام هذا العظيم من الإبداع ...كنااا نصعد في السلالم .....تجرنا اقدامنا من غرفة لغرفة في الكهف ...وبرودة المكان تنسيك ذاك الحر في الخارج ...لا وبل هذه البقعة الأرضية أنستني كل همومي وشجوني وصراعاتي المستمرة .....فلقد منحتني أروع لحظااات التأمل في خلق الله وعظمته وقدرته الإبداعية ...كنت احاول ملامسة الصخور الرسوبية ما أن سنحت لي الفرصة من أن أكون قريبة منها ...حتى أحس بجماااالها....فاللمس هنااا يبعث طاااقة تتسلل لجوارحي ...تمتصها كل احاسيسي ....لا احد يحمل نفس الشعور الذي احمله وقتهاا ...فالسكون وحده قادر أن يبعث الأمان لروحي المنهكة ...يا الله ماأروع هذا الابدااااع .....!!
بعد ساعة تقريبا من التجول البهي في عمق الكهف ...سحبنا ذيول العودة مودعين المكااان بكل أسى...وروحي حزينة....أود البقاء ....علهاااا روحي ترتوي نقاءا ..وصفاءا من هذه البقعة الإعجازية ...
ولكن لا أمل للبقاء أكثر...عدنا أدراجنااا ...وركبنا السيارة ...واطبقني صمت طويييييييييل كسر أجنحة الحماس في اعماااقي ..!
وعاد الهدوء ...لروحي ...رغم ضجة السيارة بأبناء اختي ..ولكني لا اسمع سوى نفسي الآن ...تك تك صوت قطرات النزف بأعماقي......فروحي تنزف وتنزف..وعيناااي تراقب السماء والجبال الشامخة .......آه آه
توقفنا بعدهاااعند أحدى المساجد للصلاة ...وصلينااا .....ثم ودعناااا هذه البلاد لنعود للمدينة حاملين خيال الوقت الرباني الرائع الذي تأملناه اليوم في كهف الهوته !!
وطاااااالت المساااافة في العودة كثيررررررا ...وطالت وامتدت احلامي ...نست وعدهاااا وانتقمت في نفسها في رجوووع الفكر المستحيل ..!!!!!
ودون أية كلمة ......أغمض عيني ...يحملني الحنين والشوق إلى حيث يكون ...ولا أستطيع الوصوووول ...فقط .....أستنشق ....نسيماااا قاتلا لا أكثر يشتتني ويبعثرني لأبدأ قصة انتقامي لنفسي من جديد ودون أن أدري أغوص في بحر يتوه بي في الأعماق والأعماق والأعمـــــــــــــــاق......!
كتبتها في يوم الأربعاء
7\7\09

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق